انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو في بيئات تعليمية أجنبية تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مجتمعنا، تعرض نموذجاً لدرس تعليمي للأطفال دون سن الخامسة بهدف تعليمهم مقاومة التحرش من خلال تعرضهم لموقف تمثيلي يعيشه الطفل. فنشاهد في الفيديو أطفالاً صغاراً يجلسون على شكل حلقة دائرية ويدخل عليهم شخص يرتدي نظارة سوداء وقناعاً على وجهه ليخفي ملامحه وقبعة وعلى كتفيه وشاحاً كبيراً، ومعه كيس حلوى يدور به على الأطفال واحداً تلو الآخر يعرض عليهم الحلوى ومن يستجيب له بأخذ الحلوى يمسك به ويضمه تحت الوشاح ويخرج به مسرعاً من الصف ويعود مجدداً ليمارس نفس الطريقة مع جميع الأطفال، ونجد في مجتمعنا بعض الآباء يستخدم هذا الأسلوب التخويفي مع أبنائهم لتخويفهم وضبط سلوكهم عبر "تطبيق شرطة الأطفال".
وقد اختلفت أراء أفراد المجتمع ما بين مؤيد لهذه الأساليب في تربية وتعليم الأطفال وما بين معارض لها، ولكل فريق مبرراته ووجهة نظره.
فالمؤيدين له؛ يرون بأن أفضل طريقة لتعليم الطفل بفاعلية من الناحية النفسية هي: استخدام التطبيق العملي خاصة فيما يتعلق بالأمور التي لها علاقة بالسلامة النفسية والجسدية، لأن حجم جسد البالغ يخلق خوفاً لا شعورياً في نفس الطفل لذلك لابد من تدريبه على تجاوز هذا الحاجز، وهذه أحسن طريقة لتدريب الطفل على مقاومة المتحرش جنسياً.
أما المعارضين؛ فيرون أن هذا الأسلوب هو أسلوب ترويع للطفل وديننا الحنيف ينهى عن ترويع أي كائن، فما بالك بطفل صغير، وأحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – التي تنهي عن ذلك كثيرة سواء للإنسان أو الحيوان، ومنها : " لا يحل لمسلمٍ أن يروع مسلماً". فهو ضد استخدام هذا الأسلوب، وإن كانت الطريقة المستخدمة في هذا الفيديو تؤدي إلى عدم استجابة الطفل للأشخاص الذين يغرونه بأشياء يحبها بفاعلية؛ والدليل رفض بعض الأطفال للحلوى المقدمة لهم بعد أن شاهدوا زميلهم يُختطف، ولكنها قد تترك لدى الطفل آثاراً أخرى من الجانب النفسي.
وهنا نسأل أنفسنا؛ هل النتائج السريعة للطريقة المستخدمة هي التي يعوّل عليها في الحكم باستخدامها من عدمه؟
إن تعريض الطفل لمثل هذه المواقف المرعبة تعتبر عنفاً وأذى نفسي يتعرض له وانتهاكاً لحق من حقوقه، حسب اتفاقية حقوق الطفل الصادرة من الأمم المتحدة في المادة رقم 19 " الحماية من العنف" ونصها أن: "على الحكومات حماية الأطفال من العنف، والإساءة، من قبل أي شخص مسؤول عن رعايتهم. "
وهنا نقول أن الحماية من التحرش تتطلب تدريب الطفل على فهم التعبيرات والنظرات والوجوه للتمييز بين الأشخاص، وتعليمه التعبير عن رأيه ورفضه بشكل ذاتي وليس بالإكراه، والطريقة المستخدمة في الفيديو تعلم الطفل رفض أي شخص يقدم له أشياء مادية محببة له (شوكولاتة، حلوى، لعبة...)، لكنها قد تؤدي إلى ردة فعل عنيفة تجاه الأشخاص المقربين ومنهم والديه وأقرانه، كما أن ظهور المربي في الفيديو بلباس غريب، ويخفي وجهه وعينيه، هو بحد ذاته يخيف الطفل، فالطفل في هذا العمر يخاف من المهرج والوجوه التي لا تظهر المشاعر الحقيقية، وغالباً فإن الشخص المتحرش لا يأتي بهذه الصورة في الواقع، وإنما يأتي بصورة محببة ويحاول التقرب من الطفل بكافة الطرق اللطيفة، فبعض الذئاب تأتي على هيئة حملان! لذلك ينبغي عند اكساب الطفل مهارات اجتماعية حياتية أن تتم بطرق ملائمة نمائياَ، وتتماشى مع خصائصه النفسية
والعاطفية ولن نجد أفضل من توجيه معلم البشرية رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قال" ليس منا من لم يرحم صغيرنا".
فكيف نسمح لأنفسنا أن نروع الأطفال بحجة التعليم؟!