ما الأفضل لحياتك المهنية التخصيص أم التعميم؟

وصلني العديد من الردود والتعليقات حول الرسالة الثالثة ضمن سلسلة " رسائل مسيرة متعلم" المتعلقة بالشهادات المهنية، ولفت نظري مضمون إحدى الحوارات من أحد الزملاء في "التعليمية"، حيث عرض لي المشكلة الآتية: ابن عمي يحمل شهادة البكالوريوس في العلاقات العامة، ولا يعمل في نطاق شهادته كمؤهل بل يعمل في وظيفة إدارية، وفي نفس الوقت له هواية جميلة في ممارسات متعلقة بالمونتاج التلفزيوني، ولكنه يرغب في تحديد مسار مهني واضح المعالم يحدد على أساسه ماهية الشهادات المهنية التي ينبغي أن يركز عليها".  والسؤال الآن لو كنت مكاني، ماذا ستكون اقتراحاتك للرد عليه؟ هل أحكم على واقعه الحالي بالخطأ أم بالصح؟، هل أقدم له النصيحة بالتركيز على تخصصه في العلاقات العامة؟، أم بالتوجه والاحتراف في مجال هوايته في المونتاج التلفزيوني؟ أم في وظيفته الحالية لشح التعيينات والوظائف وأقول له "عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة"؟ أم يكون الأفضل له هذا التعميم في حياته، والبعد عن التخصصية؟

إذاً افتح صفحتك التالية في مفكرتك، وابدأ بكتابة تأملاتك والبحث عن الإجابة... هل توصلت إلى نتيجة ... إذا كانت إجابتك مع التخصيص أو كانت مع التعميم، برر إجابتك بواقع عملك وخبراتك العملية والحياتية، بمعنى آخر هل يجب أن تعمم وتعرف القليل عن الكثير من الأشياء؟ أو هل يجب أن تتخصص ولديك فهم عميق لمجال واحد فقط؟.

أتوقع أن الإجابة سهلة ولكن ما يتبعها هو الصعب، كيف ذلك؟  كل خيار يتبعه تعزيز لهذ المسار، لأنه مطلوب منك أن تحدد في حالة التخصيص أو التعميم، ماهية الدورات التي تدعم مسارك، و الكتب التي تحدث معلوماتك وتثريك ، والمؤتمرات واللقاءات والندوات التي تخدمك، والعمل على  تكوين علاقات مع من مهم في مجالك/ مجالاتك وتبادل المعلومات معهم،  تكوين مجتمعات مهنية أو الدخول فيها، وكتابة بحوث أو مقالات حول ذلك وكل ما له علاقة به، ومتابعة الأشخاص المهتمين بالتخصص على شبكات التواصل الاجتماعي والتفاعل معهم. لذلك، عندما نفكر في التعميم مقابل التخصص في حياتنا المهنية، فإننا نتحدث عن هل يمكنك القيام بعدد كبير من المهام في حالة التعميم مقابل القيام بشيء واحد محدد في حالة التخصيص؟.

هناك اعتقاد كامن لدى الكثير، أنك إذا كنت متخصصاً فهذا يعنى المزيد من المال، والحصول على راتب أعلى، ولشرح طريقة تفكيره ومكامن قوة اعتقاده، يمكن اختيار موقف مشابه – اختيار مطعم، إذا أردت تناول مأكولات بحرية جيدة، فالأفضل لك التوجه نحو مطعم متخصص في المأكولات البحرية. فإذا ذهبت إلى مطعم يقدم مأكولات بحرية فقط، فيمكنك توقع منتجات عالية الجودة، ولكنك في المقابل تتوقع دفع المزيد ثمناً لها. ولكن إذا ذهبت إلى مكان يقدم وجبات متعددة، فقد لا تكون جودة المأكولات البحرية رائعة جدًا، ولكن الأسعار ستكون أقل على الأرجح. وهذا ما ينطبق على عالم الأعمال.

ولكن هل ينطبق ذلك على جميع الظروف؟، ماذا لو كان هناك انخفاض في النشاط الاقتصادي أو ربما ركود كما حدث في السنوات الماضية والحالية؟، ماذا لو كنت في منظمة صغيرة؟ أو منظمة في بداية تأسيسها؟ فهل سيحصل الاختصاصي على المزيد من عروض العمل؟ أترك الإجابة لتحليلك وقياسها بالظروف المشابهة، كما أدعوك للتفكير في "التعليمية" متى يكون من الضروري استقطاب الاختصاصين؟ ومتى يكون من الضروري استقطاب الأشخاص الذين يستطيعون القيام بأمور متعددة؟

فصديقنا في بداية المقال متعدد المهارات والأعمال، شخص يمكنه القيام بالعديد من الأشياء المختلفة، وهو غالبًا ما يُطلق على اسم (Jack-of-all-trades ) وهو شخص قادر على ارتداء العديد من القبعات، رأيي الخاص له هو القادر على تحديد الإجابة عن سؤاله، وعليه أيضاً التفكير بتأمل، ماذا يريد؟ وما نوع المنظمة التي يريد الاستمرار بها: هل هي صغيرة، أم ناشئة أم كبيرة؟ هل يحب ارتداء وتجريب جميع أنواع القبعات المختلفة، أم يريد قبعة واحدة يتخصص بها ويكون المرجع لها؟، هل يريد مجموعة واسعة من المهارات المتعددة، أم يريد مهارات متخصصة في نفس مجاله؟ هل تريد حل مشكلات متعددة، أم مشكلة واحدة تساهم في حلها؟ هل تعجبه فكرة أن يكون خبيراً متخصصاً؟ هل يمكن أن يدمج بين جميع تلك الحلول (أي تكون على شكل حرف T ، الجزء العلوي من T هو الجزء المعمم. وسيكون الجذع المستقيم لـ T هو الفهم الأعمق لمعرفة الشخص العامة) ؟ وعليه وهو يجيب عن تلك الأسئلة، أن يربطه بفن مقاومة الركود الاقتصادي.

اعرف نفسك، وتفنن في كتابة الإجابة عن أسئلتك المتعددة وفقاً لرغباتك وهواياتك وماذا تحب أن تكون في المستقبل، وابحث عن سعادتك ثم سعادتك ثم سعادتك، وأين يمكن أن تجدها في مسارك المهني.

د. رقية المعايطة